ولد جاد الحق بقرية بطرة، التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية، الخميس الموافق 13 جمادى الآخرة سنة 1335 هـ = 5 من إبريل 1917م، وتلقى تعليمه الأوليّ في قريته، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالمعهد الأحمدي بطنطا، وأنهى المرحلة الإبتدائية به، ولما إنتقل إلى المرحلة الثانوية، إستكملها في القاهرة في معهدها الديني بالدَرَّاسَة، وبعد إجتيازه لها التحق بكلية الشريعة، وتخرج فيها سنة 1363 هـ = 1944م، حاصلا على الشهادة العالمية، ثم نال تخصص القضاء بعد عامين من الدراسة، وكان الأزهر يعطي لمن يحصل على العالمية في الشريعة، أن يتخصص في القضاء لمدة عامين، ويمنح الطالب بعدها شهادة العالمية مع إجازة القضاء.
¤ بعد التخرج:
عمل جاد الحق بعد التخرج، في المحاكم الشرعية في سنة 1366هـ = 1946م، ثم عين أمينًا للفتوى بدار الإفتاء المصرية في سنة 1373 هـ = 1953م، ثم عاد إلى المحاكم الشرعية قاضيًا في سنة 1374هـ = 1954م، ثم انتقل إلى المحاكم المدنية سنة 1376هـ = 1956م، بعد إلغاء القضاء الشرعي، وظل يعمل بالقضاء، ويترقى في مناصبه حتى عُين مستشارًا بمحاكم الإستئناف في سنة 1396هـ = 1976م.
وقد حفظت سجلات المحاكم التي عمل بها، أحكامه القضائية أثناء عمله بالقضاء، وتشتمل على بحوث وتعليلات وإجتهادات في التطبيق، وقد نشرت المجلات القانونية في مصر بعضًا من تلك الأحكام، وفي كثير منها، أحكام لما إستجد من مستحدثات، لم يعالجها الحكم الفقهي من قبل.
¤ جــاد الحق مفتيًا:
عين الشيخ جاد الحق مفتيًا للديار المصرية، في رمضان 1398هـ = أغسطس 1978م، فعمل على تنشيط الدار، والمحافظة على تراثها الفقهي، فعمل على إختيار الفتاوى ذات المبادئ الفقهية، وجمعها من سجلات دار الإفتاء المصرية، ونشرها في مجلدات بلغت عشرين مجلدًا، وهي ثروة فقهية ثمينة، لأنها تمثل القضايا المعاصرة، التي تشغل بال الأمة في فترة معينة من تاريخها، وفي الوقت نفسه تستند إلى المصادر والأصول، التي تستمد منها الأحكام الشرعية.
وتشمل إختيارات الفتاوى، ما صدر عن دار الإفتاء في الفترة من سنة 1313هـ = 1895م حتى سنة 1403 هـ = 1982م، وضمت المجلدات الثامن والتاسع والعاشر من سلسلة الفتاوى، إختيارات من أحكامه وفتاواه، وتبلغ نحو 1328 فتوى، في الفترة التي قضاها مفتيًا للديار المصرية.
¤ توليه مشيخة الأزهر:
عين وزيرًا للأوقاف في ربيع الأول 1402 هـ = يناير 1982م، وظل بها شهورًا قليلة، اختير بعدها شيخًا للجامع الأزهر في 13 من جمادى الأولى 1402 هـ = 17 من مارس 1982م، وبدأت فترة زاهية من فترات تاريخ الأزهر، سواء فيما يتصل بمؤسسة الأزهر، أو بدورها، بإعتبارها القائمة على الفكر الإسلامي والتعليم الديني في مصر، ومحط أنظار الناس، ومعقد أمانيهم.
وكان لإشتغال الشيخ جاد الحق بالقضاء منذ وقت مبكر، أثره البالغ في قيادته الأزهر، فهو فقيه قاض، يعتمد على الدراسة المتأنية والنظر العميق، والبعد عن الهوى، ومن ثم كانت قراراته صائبة، هادئة، بعيدة عن العاطفة المشبوهة والانفعال المؤقت، وتهدف إلى الصالح العالم.
¤ مواقف الشيخ:
عُرف الشيخ في الفترة التي تولّى فيها مشيخة الأزهر، بمواقفه الجريئة، والصدع بما يعتقد أنه الحق والصواب، وإن خالف هوى الناس وأغضب السلطان، فقد أعلن بعد توليه المشيخة، تأييد الأزهر للجهاد الأفغاني ضد المحتل الروسي، وإعتبر ما يحدث في البوسنة والهرسك، حربًا صليبية جديدة تهدف إلى إبادة المسلمين، ودعا إلى الوقوف إلى جانب المسلمين والدفاع عن قضيتهم، وكان له مثل هذا الموقف مع المسلمين الشيشان، في جهادهم للروس، ومع الإنتفاضة الفلسطينية.
ويذكر له موقفه الواضح من التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى إن كانت هناك إتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، وإشتد في معارضته للتطبيع، في الوقت التي نشطت فيها حركات التطبيع في بعض مؤسسات الدولة، فأفتى بعدم جواز زيارة القدس إلا بعد تحريرها، ورفض إستقبال أي وفد إسرائيلي، يرغب في زيارة الأزهر، وإنْ سبّب ذلك حرجًا للمسئولين.
¤ موقفه من مؤتمر المرأة والسكان:
وكان للشيخ رأي واضح، في مقررات مؤتمر السكان، الذي تم عقده في القاهرة في ربيع الآخر 1415هـ = سبتمبر 1994م، فعارض دعوات الإنحلال الأُسري والشذوذ، والخروج على الفطرة السليمة، وتعاون معه -في رد تلك الدعاوى- نفر من المخلصين، وكان لحضورهم هذا المؤتمر ودحضهم تلك الدعاوى، أثره في إحباط ما كان يخطِّط له القائمون على المؤتمر، وتكرر منه هذا الموقف الواضح، في رفضه لوثيقة مؤتمر المرأة، الذي تم عقده في بكين في جمادى الأولى 1416هـ = سبتمبر 1995م.
¤ موقفه من التطرف:
هال الإمام جاد الحق، أن يتخذ نفر من الكُتّاب، من تطرف بعض الشباب ذريعة للهجوم على الإسلام ومبادئه، دون وازع من ضمير، أو تسلح بثقافة وعلم، فإنطلق قلمه يصدع بالحق ويفضح سموم بعض الكتبة، بقوله: وقد أفرغت الحرية من مفهومها الصحيح، حتى صارت الدعوة إلى الفساد حرية، وصار الطعن في الإسلام وصلاحيته حرية، ثم صارت المسارعة إلى توزيع الإتهامات على الناس، أسبق من نتائج التحقيق، التي تقوم بها الجماعة المختصة.
وحين أعلنت بعض الصحف عن مسابقة لإختيار ملكة النيل، فزع من تطرف بعض المترفين وإنسياقهم وراء الهوى والضلال، وكتب مقالة في غاية القوة والبيان بعنوان: أوقفوا هذا العبث باسم وفاء النيل، وعدّ هذا التصرف الطائش، عودة إلى سوق النخاسة والرقيق الأبيض، وَرِدّة إلى الجاهلية العمياء، لا يُفرَّق فيها بين الحلال والحرام.
¤ جهود الشيخ في مؤسسة الأزهر:
يُذكر للشيخ جهوده في نشر التعليم الأزهري، والتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية في أنحاء مصر، وكانت سمعته وثقة الناس فيه، تجعل الناس يتسابقون في التبرع لإنشاء المعاهد الدينية، وتقديمها للأزهر للإشراف عليها، وبلغت المعاهد الأزهرية في عهده، خمسة آلاف معهد، وأنشأ فروعًا للجامعة الأزهرية في بعض محافظات مصر ومدنها الكبيرة.
ولحرصه على أن يجد الناس مبتغاهم، فيما يتعلق بأمور دينهم، فقد دعّم عمل لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، بإنشاء فروع لها في كل منطقة أزهرية، في كل محافظات الجمهورية، فبلغت خمسًا وعشرين لجنة، وإنتقى لها أفضل العناصر من العلماء، الذين يجيدون الفتوى، وأمدها بالكتب التي تحتاجها في أداء عملها.
¤ مؤلفات الشيخ:
للشيخ جاد الحق مؤلفات عديدة منها: الفقه الإسلامي مرونته وتطوره، وبحوث فتاوى إسلامية في قضايا معاصرة، وصدر من الكتاب أربعة أجزاء، وهي تضم الفتاوى والبحوث التي أصدرها الشيخ منذ ولايته المشيخة، وله رسالة في الاجتهاد وشروطه، وأخرى بعنوان رسالة في القضاء في الإسلام.
ويبرز في كتبه منهجه في التفكير الفقهي، حيث يبدأ القضية بالتعريف اللغوي لها، ثم يتبعها بالتعريف الشرعي، ويتلو ذلك بيان الحكم وفق المذاهب الأربعة وغيرها، ثم يقوم بالترجيح بين آراء العلماء، لإختيار الرأي الذي يرتضيه، ويكون محققًا للمصلحة التي يبتغيها الشارع الحكيم.
¤ وفاة الشـــيخ:
بعد حياة طويلة مليئة بجلائل الأعمال، تُوفّي الإمام الأكبر جاد الحق على جاد الحق، إثر نوبة قلبية ألمّت به الجمعة الموافق 25 من شوال 1416هـ = 15 من مارس 1996م، عن عمر يناهز التاسعة والسبعين.
رحم الله الشيخ وجزاه عن الإسلام والمسلمين كل خير، وأسكنه فسيح جناته، إنّه ولى ذلك والقادر عليه.. اللهم آمين.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.